فصل: من فوائد الألوسي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد أبي السعود في الآية:

قال رحمه الله:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيبًا مّنَ الكتاب} كلامٌ مستأنفٌ مسوقٌ لتعجب المؤمنين من سوء حالِهم والتحذيرِ عن موالاتهم، والخطابُ لكل من يتأتّى منه الرؤيةُ من المؤمنين وتوجيهُه فيما بعدُ إلى الكل معًا للإيذان بكمال شهرةِ شناعةِ حالِهم وأنها بلغت من الظهور إلى حيث يتعجّبُ منها كلُّ مِنْ يراها والرؤيةُ بَصَريةٌ أي ألم تنظُرْ إليهم فإنهم أحِقّاءُ أن تشاهِدَهم وتتعجب من أحوالهم، وتجويزُ كونِها قلبيةً على أن {إلى} تتضمن معنى الانتهاءِ لما فعلوه يأباه مقامُ تشهيرِ شنائعِهم ونظمِها في سلك الأمورِ المشاهدةِ والمرادُ بهم أحبارُ اليهود.
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في حَبْريْنِ من أحبار اليهودِ كانا يأتيان رأسَ المنافقين عبدَ اللَّه بنَ أُبيَ ورهطَه يُثبِّطانِهم عن الإسلام. وعنه رضي الله عنه أيضًا أنها نزلت في رُفاعةَ بنِ زيدٍ ومالكِ بنِ دخشم كانا إذا تكلم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لَوَيا لسانَهما وعاباه. والمرادُ بالكتاب هو التوراةُ وحملُه على جنس الكتابِ المنتظِمِ لها انتظامًا أوليًا تطويلٌ للمسافة، وبالذي أوتوه ما بُيِّن لهم فيها من الأحكام والعُلومِ التي من جملتها ما علِموه من نُعوت النبيِّ صلى الله عليه وسلم وحقِّيةِ الإسلامِ، والتعبيرُ عنه بالنصيب المنبئ عن كونه حقًا من حقوقهم التي يجب مراعاتُها والمحافظةُ عليها للإيذان بكمال ركاكةِ آرائِهم حيث ضيّعوه تضييعًا، وتنوينُه تفخيميٌّ مؤيدٌ للتشنيع عليهم والتعجيبِ من حالهم، فالتعبيرُ عنهم بالموصول للتنبيه بما في حيز الصلةِ على كمال شناعتِهم والإشعارِ بمكان ما طُويَ ذكرُه في المعاملة المَحْكيةِ عنهم من الهدى الذي هو أحدُ العِوَضَيْنِ، وكلمةُ {مِنْ} متعلقةٌ إما بأُوتوا أو بمحذوف وقع صفةً لنصيبًا مبينةً لفخامته الإضافيةِ إثرَ بيانِ فخامتِه الذاتيةِ أي نصيبًا كائنًا من الكتاب وقوله تعالى: {يَشْتَرُونَ الضلالة} قيل: هو حالٌ مقدرةٌ من واوِ {أُوتُواْ} ولا ريب في أن اعتبارَ تقديرِ اشترائِهم المذكورِ في الإيتاء مما لا يليقُ بالمقام، وقيل: هو حالٌ من الموصولِ أي ألم تنظُرْ إليهم حال اشترائِهم، وأنت خبيرٌ بأنه خالٍ عن إفادة أن مادةَ التشنيعِ والتعجيبِ هو الاشتراءُ المذكورُ وما عطف عليه، والذي تقتضيه جزالةُ النظمِ الكريمِ أنه استئنافٌ مبينٌ لمناط التشنيعِ ومدارِ التعجيبِ المفهومَيْن من صدر الكلامِ على وجه الإجمالِ والإبهامِ، مبنيٌّ على سؤال نشأ منه كأنه قيل: ماذا يصنعون حتى يُنظَرَ إليهم؟ فقيل: يأخذون الضلالةَ ويترُكون ما أُوتوه من الهداية، وإنما طُويَ ذكرُ المتروك لغاية ظهورِ الأمرِ لاسيما بعد الإشعارِ المذكورِ، والتعبيرُ عن ذلك بالاشتراء الذي هو عبارةٌ عن استبدال السلعةِ بالثمن أي أخذِها بدلًا منه أخذًا ناشئًا عن الرغبة فيها والإعراضِ عنه للإيذان بكمال رغبتِهم في الضلالة التي حقُّها أن يُعرَضَ عنها كلَّ الإعراضِ، وإعراضِهم عن الهداية التي يتنافس فيها المتنافسون، وفيه من التسجيل على نهاية سخافةِ عقولِهم وغايةِ ركاكةِ آرائِهم ما لا يخفى حيث صُوِّرت حالُهم بصورة ما لا يكاد يتعاطاه أحدٌ ممن له أدنى تمييزٍ، وليس المرادُ بالضلالة جنسَها الحاصلَ لهم من قبلُ حتى يُخِلَّ بمعنى الاشتراءِ المنبيءِ عن تأخُّرِها عنه بل هو فردُها الكاملُ وهو عنادُهم وتماديهم في الكفر بعد ما علموا بشأن النبيِّ عليه السلام وتيقنوا بحقِّية دينه وأنه هو النبيُّ العربيُّ المبشَّرُ به في التوراة، ولا ريب في أن هذه الرتبةَ لم تكن حاصلةً لهم قبل ذلك وقد مر في أوائل سورة البقرة.
{وَيُرِيدُونَ} عطفٌ على يشترون شريكٌ له في بيان محلِّ التشنيعِ والتعجبِ، وصيغةُ المضارعِ فيهما للدِلالة على الاستمرار التجدّدي، فإن تجددَ حُكمِ اشترائِهم المذكورِ وتكررَ العملِ بموجبه في قوة تجدّدِ نفسِه وتكرُّرِه، أي لا يكتفون بضلال أنفسِهم بل يريدون بما فعلوا من كتمان نعوتِه عليه السلام {أَن تَضِلُّواْ} أنتم أيضًا أيها المؤمنون {السبيل} المستقيمَ الموصِلَ إلى الحق. اهـ.

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيبًا مّنَ الكتاب} استئناف لتعجيب المؤمنين من سوء حالهم والتحذير عن موالاتهم إثر ذكر أنواع التكاليف والأحكام الشرعية، والخطاب لكل من يتأتى منه الرؤية من المؤمنين؛ وفيه إيذان بكمال شهرة شناعة حالهم، وقيل: لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم، وخطاب سيد القوم في مقام خطابهم والرؤية بصرية، وتعديها بإلى حملًا لها على النظر أي ألم تنظر إليهم وجعلها علمية وتعديها بإلى لتضمينها معنى الانتهاء أي ألم ينته علمك إليهم منحط في مقام التعجيب وتشهير شنائعهم، ونظمها في سلك الأمور المشاهدة، والمراد من الموصول يهود المدينة.
وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت في رفاعة بن زيد ومالك بن دخشم كانا إذا تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لويا لسانهما وعاباه، وعنه أنها نزلت في حبرين كانا يأتيان رأس المنافقين عبد الله بن أبيّ ورهطه يثبطانهم عن الإسلام.
والمراد من الكتاب التوراة، وقيل: الجنس وتدخل فيه دخولًا أوليًا وفيه تطويل للمسافة، وقيل: القرآن لأن اليهود علموا أنه كتاب حق أتى به نبي صادق لا شبهة في نبوته، وفيه أنه خلاف الظاهر، وبالذي أوتوه ما بين لهم فيه من الأحكام والعلوم التي من جملتها ما علموه من نعت النبي صلى الله عليه وسلم، والتعبير عن بالنصيب المشعر بأنه حق من حقوقهم التي تجب مراعاتها والمحافظة عليها للإيذان بركاكة آرائهم في الإهمال، والتنوين للتفخيم، وهو مؤيد للتشنيع، ومثله ما لو حمل على التكثير، و{مِنْ} متعلقة بمحذوف وقع صفة لنصيبًا مبينة لفخامته الإضافية إثر فخامته الذاتية، وقيل: متعلقة بأوتوا.
وقوله تعالى: {يَشْتَرُونَ الضلالة} استئناف مبين لمناط التشنيع ومدار التعجيب المفهومين من صدر الكلام مبني على سؤال نشأ منه كأنه قيل: ماذا يصنعون حتى ينظر إليهم؟ فقيل: يختارون الضلالة على الهدى أو يستبدلونها به بعد تمكنهم منه المنزل منزلة الحصول، أو حصوله لهم بالفعل بإنكارهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال الزجاج: المعنى يأخذون الرشا ويحرفون التوراة، فالضلالة هو هذا التحريف أي اشتروها بمال الرشا، وذهب أبو البقاء إلى أن جملة {يَشْتَرُونَ} حال مقدرة من ضمير {أُوتُواْ} أو حال من {الذين}، وتعقب الوجه الأول: بأنه لا ريب في أن اعتبار تقدير اشترائهم المذكور في الإيتاء مما لا يليق بالمقام، والثاني: بأنه خال عن إفادة أن مادة التشنيع والتعجيب هو الاشتراء المذكور، وما عطف عليه من قوله تعالى: {وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السبيل} فالأوجه الاستئناف والمعطوف شريك للمعطوف عليه فيما سبق له، والمعنى أنهم لا يكتفون بضلال أنفسهم بل يريدون بما فعلوا من تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم وكتم نعوته الناطقة بها التوراة أن تكونوا أنتم أيضًا ضالين الطريق المستقيم الموصل إلى الحق، والتعبير بصيغة المضارع في الموضعين للإيذان بالاستمرار التجددي فإن تجدد حكم اشترائهم المذكور وتكرر العمل بموجبه في قوة تجدد نفسه وتكرره، وفي ذلك أيضًا من التشنيع ما لا يخفى. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآيتين:

قال رحمه الله:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ}.
حين يريد الحق سبحانه وتعالى أن يؤكد قضية من قضايا الكون ليمهد لقضية من قضايا العقائد التي تحرس نظام الكون فهو يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: {ألم تر}. والرؤية عمل العين- وعمل العين متعلق بانكشاف الأحداث التي تتعرض لها العين- والشيء المرئي دليله معه؛ لأن الشيء المسموع دليله يؤخذ من صدق قائله، وصدق قائله أمر مظنون، أيكذب أم يصدق؟ أما المرئي فدليله معه؛ ولذلك قالوا: ليس مع العين أين، أي أنك إذا رأيت شيئًا فلا تقل: أين هو، وليس الخبر كالعيان، فالخبر الذي تسمعه ليس كالمشاهدة، إذن فالمشاهدة دليلها معها، فلا يقال: دلل على أن فلانًا يلبس جلبابًا أبيض وأنت تراه.
إذن فحين يريد الحق أن يؤكد قضية يقول: أرأيت. ولذلك فأنت إذا حدثت إنسانًا عن انحراف إنسان آخر. قد يصدقك وقد لا يصدقك، لكن إذا ما رأيت الإنسان يلعب ميسرًا أو يشرب خمرًا ثم تقول لمن حدثته من قبل: أرأيت من قلت لك عليه، كأن الرؤية دليل. والحق سبحانه وتعالى حين يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: {أرأيت} ننظر إلى الأمر، فإذا كان مشهودًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: {أرأيت} ننظر إلى الأمر، فإذا كان مشهودًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يراه بذلك تكون أرأيت على حقيقتها، كما يقول له: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق: 9- 10].
هو صلى الله عليه وسلم قد رآه، فتكون {أرأيت} على حقيقتها أم ليست على حقيقتها؟ ولماذا يأتي بهمزة الاستفام {أرأيت}؛ على الرغم من أنه صلى الله عليه وسلم قد رأى من ينهى إنسانًا عن الصلاة ولماذا لم يقل: رأيت الذي ينهى عبدًا إذا صلى، لا؛ لأن الحق يريد أن يؤكد الخبر بمراحل. فمرة يكون الخبر خبرًا تسمعه الأذن، ومرة يكون رؤية تراه، ومرة لا يقول له: أنت رأيت، ولكن يستفهم منه بأرأيت لكي ينتظر منه الجواب. وبذلك يأتي الجواب من المخاطب نفسه وليس من المتكلم، وهذه آكد أنواع البيان وآكد ألوان التحقيق، فحين يخاطب الحق سبحانه وتعالى بقوله: {أرأيت} نقول: أكان ذلك مشهدًا لرسول الله رآه، فتكون الرؤية على حقيقتها. فإذا كان الأمر لم يكن معاصرًا لرسول الله ثم يخاطب الله رسوله بقوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1].
ونعلم أن أصحاب الفيل كانوا عام ميلاده صلى الله عليه وسلم، فهو حين يخاطب رسوله لم يكن المشهد أمامه فـ {ألم تر} هنا بمعنى أعلمت.
ولماذا عدل هنا عن أعلمت إلى قوله: ألم تر؟. لأن الحق سبحانه وتعالى حين يخاطب رسوله بأمر منه فهو يوضح له: إن أخبرتك بشيء فاعلم أني أصدق من عينك، فإذا قال سبحانه: {ألم تر} فهذا يعني أنك علمت من الحق سبحانه وتعالى، وإخبار الحق ليس كإخبار الخلق؛ لأن إخبار الخلق يحتمل الصدق والكذب، لكن إخبار الحق لا يعني إلا الصدق، إذن فرؤية عينك قد تخونك؛ لأنك قد تكون غافلًا فلا ترى كل الحقيقة، لكن إذا أخبرك الحق سبحانه وتعالى فسيخبرك بكل زوايا الحقيقة. إذن فإخبار الحق أوثق وآكد من رؤية العين وسبحانه عندما قال: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق: 9- 10].
هذه مثلت الأولى، وحين قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1].
كأنك تراهم الآن، فـ {ألم تر} تعني كأن المشهد أمامك.
إذن فوسائل تأكيد الأشياء: خبر من خلق يحتمل الصدق ويحتمل الكذب. هذه واحدة، ورؤية من خلق تحتمل أنها استوعبت كل المرئي أو أحاطت ببعضه، أو خبر من خالق أحاط بكل شيء، فيجب أن يكون الخبر من الخالق أوثق الأخبار في تصديقهم.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ} جاءت هذه الآية ورسول الله يعاصره قوم من اليهود. ورأى منهم بالفعل أنهم أوتوا نصيبًا من الكتاب؛ لأنهم أهل الكتاب، ومع ذلك يشترون الضلالة؛ ولا يقولون الحق، فيكون هذا أمرا مشهديا بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وحينما أرسل الله محمدًا جعله ختامًا للأنبياء وختم به ركب النبوة، وهذا يعني: أن النبوة كان لها ركب. وفي كل عصر من العصور يأتي نبي على مقدار اتساع الحياة، وعلى مقدار التقاء الكائنين في الحياة، وعلى مقدار الداءات والأمراض التي تأتي في المجتمع، ولكن الله علم أزلًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيأتي في فترة ورسالته ومنهجه ينتظم ويضم كل قضايا الزمن إلى أن تقوم الساعة. وهو زمن يعلم الله أن فوارق المواصلات فيه ستنتهي، وفوارق الحواجز فيه ستنتهي، فيحدث الخبر في أدنى الشرق وأعلاه فتسمعه في أدنى الغرب وأعلاه، والخبر في الغرب تسمعه في الشرق. والداء يوجد مرة في أمريكا وبعد يوم أو يومين يوجد في أي بلد من البلاد.